مقدمة اولى :
عالم من الفوضى لا تنتظم شخصياته وأحداثه وألفاظه في خيط ناظم .. ومن أراد أن يلج هذا العالم مرتاح البال ,مفرغا من اسئلة الفزع ومطبات القساوة عليه أن يلزم هدوءه فلا يقلب صفحاته ولا يرمى بنفسه في ارض يباب لا تنبت غير الحصى والخراب الكبير.
شخصيات لعلها من سلالة شكسبير «هملت» «مكبث» «الملك لير» «بيدمونة» وشخصيات أخرى تتشابك معها هي «الخيال» «وسارق الآدب» «والشبح» «مولو» الشاعر «والساحرة هيكات» وصولا الى «الشادي محمد عبد المطلب» وأحداث تفاجئك بعلاقات مقلوبة وها انك تتوغل في عالم يلعب فيه المؤلف بكل شئ بالمنتظم الافتراضي وبالأحداث المتوقعة وبشخصيات تنتظم علاقاتها السوية ولكنها تفاجئك بغير ذلك.
كل ذلك عبر نص في ثلاثة عشر موقفا اختار له صاحبه توفيق بن بريك عنونا مثيرا « الاخوة هملت››
مقدمة ثانية :
الاخوة هملت التراجديا العربية يأتي في مؤلفات بن بريك بعد الآن اصغ إلى وتونس ضاحية نيويورك ضحكة الحوت و وكوازكي وكلب بن كلب ودكتاتورية جدا لذيذة وتحقيقات واشي وبن بريك في القصر وبن بريك رئيسا ولن أرحل وقاطع طريق الادب وسارق الأدب وتونس هيروشيما وفسحة في الجحيم وتونس الهبة وغيرها من كتب بن بريك التي تجمع بين الشعر والسرد والمروية وغيرها من الاشكال والأجناس.
بن بريك يكتب باللغتين الفرنسية والعربية ولا يرى مانعا بان يغرف بدلوه من الدارجة ولا يعترف بالحد فيما يكتب او في اقامة الحد على ما يكتب ماذا أضاف للقارئ وللمكتبة في كتابه الجديد الاخوة هملت
والصادر عن دار الجنوب في سلسلة عيون المعاصرة التي يشرف عليها الاستاذ توفيق بكار وفي تقديم لحمدي الحمايدي.
مقدمة ثالثة :
شكلا، الاخوة هملت نص عابر لكل النصوص والأجناس. هو ليس بالرواية ولا يقع في مدارات المسرح. وهو ليس ملحمة ولا قصيدة ممتدة الاطراف فما هو إذن؟ هذه أم المشكلات التي يطرحها الاخوة هملت وهنا يتفق معنا كل من قرأ الاخوة هملت مسودة وهم الاساتذة توفيق بكار ويوسف الصديق وحسين الواد وصلاح الدين الشريف وحمدي الحمايدي. هو نص ينطلق من السلالة الشكسبيرية ليمارس صاحبه حفرا عجيبا في بستان الرعب الذي تسكنه ولا ترى - كائنات دستوفسكي ولكنه لا يتوقف هناك متجاوزا الى مناهل أخرى لينهل من الشعر العربي ومن التراث الشعبي ومن المدونة الصوفية ليجد القارئ نفسه يسبح في نهر المعرفة العظيم امام روافد العطاء الانساني:
شكسبير، دوستوفسكي، النفري، اليوت، الامام علي، ابن بطوطة، ابن المقفع، عمر الخيام، ادوار سعيد، المسعدي، الشابي، درويش، المتنبي، السياب، جبران، الحجاج، المعري...
مقدمة رابعة :
خلطة عجيبة غريبة.لعل بن بريك اراد أن يقدم لنا من خلالها نصا معرفيا جدليا وأكاد اجزم بان الامر كذلك فطالما حدثني في جلسات تقاسم الضجر والقلق بان فعل الكتابة لا يمكن أن يصدر عن فراغ . كل فعل كذلك هو نص خاو مفرغ من المعنى والدلالة، هناك اذن هذا الايمان وقد جاءت مقدمة الكتاب لتطرح هذا السؤال: باي حق يمنعونني من ذكر عيون نهلت منها؟
بأي حق يحشرونني في زاوية اديب العالم الثالث المتخلف الافاقي الذي لا يتنفس الا من منخر واحد وانا الصابي الى الكونية؟
هذا السؤال مهم وأجزم ان بن بريك يطمح فعلا للكونية، هو الكاتب مقاوم، يكتب من اجل المساواة والتقدم نشر بالفرنسية والعربية في أشهر دور النشر «كغاليمار» و» لوسوي» و» النهار البيروتية» ومكتبة مدبولي القاهرية وغيرها...ولعل مشكلة بن بريك كآخرين تكمل في هذا السياق الخاوي الذي يوجد فيه.
مقدمة خامسة :
الاخوة هملت يعود من جديد ليطرح اسئلة مأساة الانسان كبرى:
سؤال العقل الكبير ما قبل العقل وما بعد العقل، اشكالية التكوين والبدايات، الوجود والعدم العقل والغيب وما بينهما، المنزلة الانسانية البائسة، المتاهة وسؤال العنف من أجل الملك والسلطة . وبذلك يكون المنطلق مسرح شكسبير .عنف ارادة شكسبير مصلط من غياهب السماوات ومدارات الالهة، عنف فوق طاقة الانسان ومنزلته. أما عند دوستوفسكي فهو عنف ارضي يولد في المجاري لا علاقة له بالقداسة والمقدس وتبقى هنا التراجيدية العربية التي هي أساسا كما يراها بن بريك تراجيديا اللسان المقدس واللغة السلطة ذلك اللسان الذي انزل الله به قرآنه فجاء قرآنا مبينا ( سورة النحل).
لعلنا هنا لامسنا تخوم الرعب وضفاف المتاهة في الاخوة هملت.
مقدمة سادسة :
من صميم ما سبق نقف على الثوابت التي ترتكز عليها الممارسة الادبية لتوفيق بن بريك :
- ان الحياة قسوة تولد صراعات متداخلة ولا متناهية 
- ان كتابة القسوة تطلب شراسة تلاحق كل القناعات
- ان القيم الجمالية لكل ابداع تكمن في الارتقاء بتلك الشراسة الى مستوى اللوحة الفنية فتبرز لك قدرة على الخلق انطلاقا من القسوة.
فالاخوة هاملت اذن موطن هذه القساوة ودمارها . خطاب مغلق لعله مونولوق وشخصيات يخيل للقارئ انها تخاطب بعضها او تتجاوز ولكنها في الواقع لا تسمع بعضها ولا تتحاور انها تحدث ذواتها فهي مصابة بالسكتة المأساوية اما السؤال: « أكون أو لا أكون» أكون او لا اكون مقص يلجم اللسان ابرة حمراء تفقع العين قطران حام يسد ثقوب الانف والاذن ملقط ينزع الجلد دبوس يفشخ العظام موس مشحوذ بشق البطن... (موقف أكون أو لا أكون صفحة 137) ويأتي الجواب : « لا تكون عندما تكون، وتكون عندما لا تكون، لا تكون وانت حي جسد سجين الزمان سجين المكان يحدك الضعف والجهل...» (موقف أكون أو لا أكون صفحة 138).
مقدمة سابعة :
تلك هي مسامير الاخوة هملت التي أرادها بن بريك ان تدخل عيوننا ونحن نقرأ هذا الكتاب : مسامير الهاوية والضياع الانساني الكبير في ارض اليباب والمتاهة عبر ثلاثة عشر موقفا هي : موقف الفلق والقلم والنساء والملك والحشد والجيل والضلوع والبعثة والعقل واكون او لا اكون واليوشا والقسم والغسق.
هي مواقف تنطلق بها شخوص لا تحاور بعضها ولكنها تنتظم في بنية ذهنية لبعثة هائلة تروم صعود الشاهقات ليتصل بالملكوت.
بعثة تبحث عن الفعل الاصيل والجملة الغائبة المفقودة تلك الجملة الصافية صفاء الماء الزلال هذه البعثة في بنيتها الذهنية واللغوية حملتنا الى ضفاف الملحمة فوجدنا في النص شعرية فائضة لذلك تساءلنا لعل الاخوة هملت ضربا من الشعر وحملتنا البعثة الى تخوم المسرحية الذهنية فتساءلنا اليست هي كذلك؟ لتبقى الرواية فلا يمكن أن يصب الاخوة هملت في قالب روائي او مروي اذن ماذا قدم لنا توفيق بن بريك ؟ لعله اراد ارباكنا بما كتب ولعمري لا يقدر على ارباك القارئ الفطن غير نص كبير خارج عن السنة ..خاصة وهو يأتي في ذكراه، شكسبير العظيم بعد اربعة قرون من رحيله عن اليابسة البائسة. 
م أ ق