لا يملك من ينتهى من قراءة رواية «سعادته.. السيد الوزير» للتونسى حسين الواد إلا أن تستدعى ذاكرته فورا أداء الراحل العبقرى الفنان أحمد زكى وهو يؤدى دور الوزير الفاسد "رأفت رستم" فى فيلم "معالى الوزير" (حال رؤية الفيلم طبعا!).
بين «معالى الوزير» و«سعادته.. السيد الوزير»، تشابه ملحوظ (هل أقول كبيرا؟) على مستوى العنوان، وكذلك فى المضمون العام، أو الفكرة الرئيسية، التى يمكن تلخيصها فى "الوزير بالصدفة"، حيث تتشابه بنية الأنظمة الفاسدة والأحزاب الحاكمة المستبدة المتسلطة فى كل مكان وأى مجتمع، وتؤدى بيئة الفساد التى تعشش فى كل نواحى وأرجاء الدولة إلى أن يأتى "وزير بالصدفة" فى حكومة فاسدة، ليمارس من خلالها الفساد ويتمرغ فيه ظهرا لبطن، ويكون أحد أدواتها الباطشة فى تكريسه واتساع دائرته، وإن افترق بعد ذلك كل من الفيلم والرواية فى الطريق المرسومة لكل منهما.
حسين الواد روائى وأكاديمى تونسى مخضرم، تخصص فى الأدب العربى قديمه ووسيطه ومعاصره، وركز فى أعماله البحثية على تطبيق المناهج النقدية الحداثية وما بعدها على النصوص السردية، وله محاولات حثيثة فى ذلك، وتوارى جهده الإبداعى طويلا وراء انهماكه فى التدريس والكتابة البحثية. سألته عن ذلك وما السبب وراء تأخر ظهور أعماله الروائية، فأجابنى "لم أكن أتوقع أن تحظى كتاباتى السردية بإقبال القراء عليها. عندما أضيق بكتاب من الكتب التى أقرأها كنت أستغرب من جرأة صاحبه على نشره". توقفت عند وصفه "جرأة صاحبه على النشر"، لماذا؟ "أرى فى ذلك استخفافا بعقول الناس وعدوانا على وقتهم. جميع ما صرفت إليه جهدى ألا أنشر كتابا ليس فيه أفكار جديدة إذا كان دراسة، أو لا أشعر أنه قد وصل إلى نقطة الفراغ منه إذا كان إبداعا. ووضع نقطة الفراغ أو النهاية قرار خطير فعلا. ما يحصل بعد ذلك ربما تستغرب إذا قلت لك إنه ليس مما يشغلنى إذ أقدّر أنى غير مسؤول عنه، ولكنه عين الحقيقة".
روايته الأولى «روائح المدينة» حظيت بقبول لافت وتقدير كبير، ونال عنها جائزة (الكومار الذهبي) فى الرواية، وهى من الجوائز الأدبية المهمة فى تونس، لكنه ورغم هذا التقدير، كان يبدى سخطا على الواقع العربى عامة والتونسى خاصة، الذى يجعل المبدعين لا يلتفتون إلا إلى ما فيه من إشكاليات ونواقص "أنا أكتب من باب الغضب للثقافة التى أنتمى إليها.. يدفع إلى ذلك منتهى الضيق بما نشاهده، كل آن، من رداءة ووقاحة فى الاعتزاز بالرداءة. وقد يكتب المرء حتى لا يقتله الحزن قرفا مما يجرى ويجد نفسه مجبرا على تحمله. أيامنا، يا سيدي، مقرفة فمن يوم فتحنا أعيننا ونحن من هزيمة إلى هزيمة ومن هم إلى هم ومن نكد إلى نكد. كلما راودنا بارق من تفاؤل وخلناها ستقلع ازدادت بنا غوصا فى الوحل. لا شيء لدينا يسير على ما يحمل ذرة من أمل فى الخلاص.
أما «سعادته.. السيد الوزير»، روايته الثانية، التى تخطت القائمة الطويلة للبوكر، لتحتل مكانها على اللائحة القصيرة، فتطرح سؤال الفساد، من خلال تجربة المعلّم التونسى البسيط الذى أصبح وزيرا على نحو غير متوقع، منخرطا حتى النخاع فى الفساد المستشرى فى أركان الدولة، بعد أن كان شاهدا خلال توليه لهذا المنصب على الفساد الضارب بأطنابه كل أرجاء البلاد.
الجديد فى هذه الرواية السياسية بامتياز، هو روح الفكاهة والسخرية السارية فى جنبات العمل وفى ثنايا السرد، وهو ما التفتت إليه لجنة تحكيم البوكر فى تقريرها عن الروايات الست، قائلة إن الرواية "غنية بروح الفكاهة٬ وتصف بنجاح العديد من أوجه الضعف الإنساني".
الهاجس السياسى والهم العام، يستحوذان على وجدان وتفكير الروائى التونسى حسين الواد، ويجعلانه ينخرط فى كتابة رواية سياسية بليغة، تعتمد التهكم والسخرية والمفارقة، ورصد التناقضات وتعرية الواقع العربى بحس فكاهي، ولغة رشيقة، تتكئ على التراثى دون إبداء كبير اهتمام بالبحث عن لغة عصرية مهمومة باكتشاف آفاق جديدة.