إنّ الأسلحة التي تشهر في وجوه الأبرياء والدسائس التي تحاك ضد أمن البلاد والجرائم المُسيلة غدرا وظلما للدماء تحرّكها عقول تسمّمت بالفكر المتشدد والمتطرف والتكفيري...لهذا فإن محاربة سلاحها بالسلاح المجرّد لن تجدي نفعا لأن الخطر الأكبر
ليس في السلاح المُشهر بل في العقل المُتحجر. وفي هذا السياق يأتي المؤتمر الوطني للمثقفين التونسيين ضد الإرهاب قصد مقارعة الفكر المنتج للإرهاب وإبطال مفعوله حيث سيحتضن قصر المؤتمرات بالعاصمة يوم الأربعاء الموافق لـ 12 أوت 2015 فعاليات هذا المؤتمر على الساعة الخامسة مساء وسط حضور محلي وأجنبي ...
اختيار تاريخ 12 أوت لعقد المؤتمر الوطني للمثقفين ضد الإرهاب لم يكن اعتباطيا ولم يأت هكذا صدفة بل كان انتقاء مدروسا من المعدين لهذا المؤتمر قصد تكريم المرأة التونسية في عيدها الموافق ليوم 13 أوت والتذكير بالمظاهرة التي جابت شوارع العاصمة دفاعا عن مكتسبات المرأة و انتصارا لمقومات الحداثة ...كما ستعقد غدا الاثنين 10 أوت ندوة صحفية بمقر نقابة الصحفيين لتقديم مؤتمر المثقفين التونسيين ضد الإرهاب . ويأتي هذا المؤتمر بمبادرة من ممثلي الهيئات العلمية والجمعيات الثقافية ومن الشخصيات الفكرية والجامعية ويشارك فيه المثقفون والناشطون في حقل الفكر والثقافة والصحافة...فما هي أسباب ودواعي تنظيم هذا المؤتمر؟ وماذا عن محاوره وأهدافه ومنهجية عمله ؟
المثقف مسؤول كما الأمن و الجيش
إن مقاومة الإرهاب اليوم تتطلب التأسيس لمنظومة متكاملة وشاملة يتعاضد فيها السلاح بالفكر حتى تؤتي أكلها لما فيه خير البلاد والعباد. وفي هذا السياق تحدث لـ«المغرب» عميد كلية الآداب بمنوبة وأحد المساهمين في إعداد المؤتمر الحبيب القزدغلي عن منطلقات هذه البادرة وأهدافها قائلا: «في كل مرة تهتز فيها البلاد على نبإ حادثة إرهابية غادرة وعلى خبر عملية قتل جبانة إلا وتتطلع الأنظار نحو الأمن والجيش وتتحدث الأفواه عن أداء المؤسستين العسكرية والأمنية وكأنهما لوحدهما تتحملان وزر مكافحة الإرهاب! وهذا في الحقيقة يجانب للصواب لأن المثقفين والمفكرين والجامعيين والإعلاميين وكل منتجي الأفكار بصفة عامة يضطلعون بجانب من المسؤولية في إنقاذ الشباب من براثن الإرهاب. وأيضا وبعد إعلان حالة الطوارئ يجب أن لا يستثني المثقفون أنفسهم من المشاركة في الحرب على الإرهاب وكأن الأمر لا يعنينهم ! ونحن من خلال المؤتمر الوطني للمثقفين ضد الإرهاب سنسائل أنفسنا وسنحاسبها عن مساهمتها في خدمة وطننا وصمتنا عن التغرير بشبابنا وسنبحث في تحديد مسؤوليتنا في معاضدة جهود الأمن والجيش في مقاومة الإرهاب والمحافظة على مكتسبات الدولة المدنية. وليس معنى هذا أن المؤتمر الوطني للمثقفين ضد الإرهاب هو مؤتمر لمحاسبة الذوات المفكرة والمثقفة بل هو مؤتمر ما بعد الإدانة و تقديم الأفكار الجديدة والمرور إلى الفعل».
وعن مدى تفاعل أهل الفكر والثقافة مع هذا المؤتمر أفاد حبيب القزدغلي: «لقد شهدت كل الاجتماعات التحضيرية للمؤتمر سواء في العاصمة وفي الجهات حضورا مكثفا من ممثلي الهيئات العلمية والجمعيات الثقافية والشخصيات الفكرية والجامعية والإعلامية ...ولازالت الدعوة مفتوحة إلى الالتحاق بنا والانضمام إلى «جبهة» المثقفين لمناهضة الإرهاب والدفاع عن الديمقراطية. ومن المتوقع أن يشهد موعد انعقاد المؤتمر مواكبة محترمة سيما أن ضيوفا أجانب أعربوا عن رغبتهم في القدوم إلى تونس لمتابعة فعاليات المؤتمر على حسابهم الخاص...».
فلسفة المؤتمر : «الفعل والمسؤولية»
كثيرا ما اتهم المثقف بالأنانية وملازمة أبراجه العاجية وحتى وإن تحرك وتكلم وصدح برأيه فغالبا ما يظل صوته خافتا وفعله ضعيفا لأنه الفرد في «مواجهة» الجماعة وفي هذا الصدد تحدثت إلى «المغرب» الدكتورة رجاء بن سلامة قائلة: «إن اجتماع المثقفين ضمن جسد فكري كان غائبا قبل الثورة وبعدها. والمثقفون كانوا يتدخلون في الحياة العامة بصفتهم أفرادا وليس بصفتهم مجموعة, وهو ما يستوجب التكاتف في هذا الظرف الدقيق من تاريخ بلادنا بمعنى أن ما نعيشه هو لحظة تاريخية فارقة تستدعي وضع أسس ثقافة ثرية وجديدة ومؤسسات تستجيب لشروط الحياة الديمقراطية».
وعن خصائص وميزات وغايات المؤتمر الوطني للمثقفين ضد الإرهاب ,أضافت الباحثة رجاء بن سلامة قائلة :» هذا المؤتمر لن يكون مؤتمرا تقليديا ومنبرا للمحاضرات والمداخلات بل سيكون أداة للخلق تحت «إيتيقا» أو شعار «الفعل والمسؤولية». ونحن في هذا المؤتمر سنتوحد لنفكر معا في الحلول و البدائل التي يمكن بها اجتثاث «ثقافة الإرهاب» انطلاقا من جملة من المحاور تهم مثلا التعليم والإعلام والمساجد ودور الثقافة».
وبخصوص مدى توّفر الحماية الأمنية أفادت رجاء بن سلامة أنه وقع اتخاذ التراتيب الأمنية اللازمة لحماية محيط انعقاد المؤتمر. أما فيما يتعلق بمصادر تمويل المؤتمر فقد علقت قائلة:»أعددنا لمؤتمر المثقفين التونسيين ضد العنف بإمكانياتنا الذاتية وبدعم من كلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة ومركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة (الكريديف)...كما إن مختلف المثقفين الذين أمدونا بورقات تقرير المؤتمر ساعدونا بصفة مجانية. ونحن في خدمة الوطن لا نسأل عن الأجر»!
توصيات ولجان للمتابعة
أي معنى للوصايا إن لم تنفذ؟ وأي جدوى للمقترحات إن لم تطبق؟ وما فائدة المؤتمر الوطني للمثقفين ضد الإرهاب أن لم تكن له أفعال واضحة و آثار ملموسة؟ عن هذه الأسئلة أجاب «المغرب» عميد كلية الآداب بمنوبة قائلا :» الضمان هو الالتزام المعنوي للمثقف أمام نفسه و مجتمعه بأن له دورا وواجبا فكريا في مكافحة الإرهاب لابد أن يحاسب عليه كما يحاسب الأمني في حال تقاعس في عمله وقصّر في حماية الوطن .كما إن اتحاد المثقفين والمفكرين والمبدعين في جبهة واحدة يتيح لهم مرونة التنسيق مع مختلف هياكل الدولة عند أي أزمة تمس أمن تونس. وأعتقد أننّا كما نحتاج إلى سلاح رجل الأمن نحتاج إلى قلم رجل الفكر في مقاومة الإرهاب».
كما راهنت الدكتورة رجاء بن سلامة على قيمة وأهمية مؤتمر المثقفين التونسيين ضد العنف قائلة: «لن يكتفي المشاركون في المؤتمر الوطني للمثقفين ضد الإرهاب بالتنديد والتحليل والتفسير بل ستصاغ خلاصة أفكارهم ومقترحاتهم وتصوراتهم في شكل توصيات تُرفع في بيان إلى الرأي العام وإلى الجهات الحكومية.و أيضا ستبعث لجان لمتابعة تنفيذ هذه التوصيات .كما ستكون إسهاما خصوصيا للمثقفين في فعاليات المؤتمر الوطني الذي دعت الحكومة إلى عقده في شهر سبتمبر المقبل».
دون المقاربة الفكرية والسياسة الثقافية والإستراتيجية الشاملة تبقى المعالجة الأمنية قاصرة عن مقاومة الإرهاب واستئصال جذوره من الأعماق ... فهل ستتمخض عن المؤتمر الوطني للمثقفين التونسيين ضد الإرهاب حلول تساهم في حل الأزمة؟ وهل يملك المثقفون تقديم الإجابات الشافية على الأسئلة الشائكة؟
قائمة المُعدّين للتقرير
لن تنطلق فعاليات المؤتمر الوطني للمثقفين ضد الإرهاب من فراغ ولن تبدأ من نقطة الصفر ,فقد سبقتها اجتماعات تحضيرية مركزية وجهوية وأيضا تحاليل ومقترحات وقع تجميعها في شكل تقرير يضم حوالي 30 ورقة . ومن بين المساهمين في صياغة هذا التقرير بصفة تطوعية نذكر: يوسف الصديق- حمادي الرديسي - زياد كريشان - زينب التوجاني- هالة الحبيب - عليسة جلول - إقبال الغربي - هاجر خنفير - زهية جويرو - حفصي بالضيوفي - نجيب الجزيري - سميحة خليفة - عبد الرزاق الصيادي - علية بكار - فتحي بن سلامة - هاشمي الضاوي - ألفة حسين – توفيق عياشي – توفيق كركر- صلاح الدين حمادي - عبد الواحد براهم ...»